صلاة الفتح
السؤال :
السلام عليكم شيخنا لي سؤال: ما حكم صلاة الفتح منفردا للبعيد عن الديار السورية وما طريقتها.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
الخلاصة :«اختُلف في صلاة الفتح، والظاهر أنها ليست صلاة خاصة، وإنما هي صلاة الضحى في الحقيقة، إذ لم يصح عن النبي ﷺ فيها شيء صريح، ولم تثبت عن الصحابة رغم كثرة الفتوحات. لذا حتى من قال بمشروعيتها لم يتفقوا على صفتها».
صلاة (النصر) أو (الشكر) أو (الفتح). اختلف فيها أهل العلم، وسبب الخلاف هو حديث أم هانئ، قالت رضي الله عنها :«ذهبت إلى رسول الله ﷺ عام الفتح، فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره، قالت: فسلمت عليه فقال: من هذه؟. فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب، فقال: مرحبا بأم هانئ. فلما فرغ من غسله، قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: يا رسول الله، زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا قد أجرته، فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله ﷺ: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ. قالت أم هانئ: وذاك ضحى».[صحيح البخاري (1/ 80)].
فمن قال أنه صلى صلاة الفتح تمسك بظاهر الحديث، وقالوا أن قولها (وذلك ضحى) أي في وقت الضحى. قال عياض:«ليس حديث أم هانئ بظاهر في أنه قصد ﷺ بها سنة الضحى، وإنما فيه أنها أخبرت عن وقت صلاته فقط». [فتح الباري لابن حجر (3/ 54 ط السلفية)]. وقال ابن القيم:«قالوا: وصلاته ﷺ يوم الفتح ثمان ركعات ضحى إنما كانت من أجل الفتح، وإن سنة الفتح أن يصلى عنده ثمان ركعات، وكان الأمراء يسمونها «صلاة الفتح». وذكر الطبري في «تاريخه» عن الشعبي قال: لما فتح خالد بن الوليد الحيرة صلى صلاة الفتح ثمان ركعات لم يسلم فيهن، ثم انصرف. قالوا: وقول أم هانئ: «وذلك ضحى» تريد أن فعله لهذه الصلاة كان ضحى، لا أن الضحى اسم لتلك الصلاة». [زاد المعاد ط عطاءات العلم (1/ 429)].
لكن الأثر الذي ذكره ابن القيم عن عن خالد بن الوليد ضعيف، فقد رواه في الطبري :«عن السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبي، قال: لما فتح خالد الحيرة صلى صلاة الفتح ثماني ركعات». [تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (3/ 366)]. وهذا إسناد ضعيف.
ومن أهل العلم من أنكرها وقال أن أم هانئ ذكرت صلاة الضحى ويحمل قولها (ذلك ضحى) على صلاة الضحى بحجة ما رواه مسلم عنها هي نفسها قالت :«أنه لما كان عام الفتح أتت رسول الله ﷺ وهو بأعلى مكة، قام رسول الله ﷺ إلى غسله، فسترت عليه فاطمة، ثم أخذ ثوبه فالتحف به، ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى». [صحيح مسلم (1/ 183)] فقولها: (سبحة الضحى) صريح في أن المقصود هي صلاة الضحى، قال النووي:«(سبحة الضحى) وهذا تصريح بأن هذا سنة مقررة معروفة وصلاها بنية الضحى بخلاف الرواية الأخرى صلى ثمان ركعات وذلك ضحى فإن من الناس من يتوهم منه خلاف الصواب فيقول ليس في هذا دليل على أن الضحى ثمان ركعات ويزعم أن النبي ﷺ صلى في هذا الوقت ثمان ركعات بسبب فتح مكة لا لكونها الضحى فهذا الخيال الذي يتعلق به هذا القائل في هذا اللفظ لايتأتى له في قولها سبحة الضحى ولم تزل الناس قديما وحديثا يحتجون بهذا الحديث على أثبات الضحى ثمان ركعات». [شرح النووي على مسلم (4/ 29)].
ومن قال بمشروعيتها اختلفوا في صفتها: فقيل هي ثمان ركعات يسلم في كل ركعتين لأنه :«صلى سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن في إيوان كسرى، ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين. [البداية والنهاية (6/ 566)]. لكن خبر سعد لم أقف له على أصل.
وينقَل عن الطبري أنها ثماني ركعات لا يفصل بينها بسلام [الروض الأنف ت تدمري (7/ 228)]. وهذا لخبر خالد بن الوليد أنه :«لما فتح خالد الحيرة صلى صلاة الفتح ثماني ركعات لا يسلم فيهن». [تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (3/ 366)]. لكنه ضعيف كما مضى. ولا تصلى بإمام، وقالوا أن سنتها أيضا أن لا يجهر فيها بالقراءة. [الروض الأنف ت تدمري (7/ 228)]. ووقتها هو نفس وقت صلاة الضحى لحديث أم هانئ.
هذا ما ورد فيها، ولم يرد شيء آخر، ولم يرد أنها تصلى جماعة، بل الأصل أنها تصلى فرادى، يصليها في الأصل قائد الجيش سرا. لكن كل هذا لا دليل عليه غير ما نقل عن ابن الوليد وسعد رضي الله عنهما، ولا يصح عنهما في ذلك شيء.
والمفتى به عندنا أنها لا تشرع، وما ورد عن النبي ﷺ إنما هي صلاة الضحى فظنها البعض صلاة خاصة.
المجيب : د. قاسم اكحيلات.