أحكام السقط
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شيخنا المبارك، هلا بينتم لنا ما يلزم المرأة التي أسقطت جنينها؟.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
- السقط : بكسر السين وضمها وفتحها ثلاث لغات. وهو الولد لغير تمام، وقيل: الذي يسقط من بطن أمه ميتا. والفرق بين المولود والسقط: أن المولود يولد بعد تمام مدة الحمل، وأما السقط فينزل قبل تمام مدة الحمل.[الموسوعة الفقهية الكويتية (39/ 347)].
- من ابتليت بهذا فعليها الصبر والاحتساب، وقد ورد حديث في أنه يشفع لها، لكنه ضعيف، عن معاذ بن جبل عن النبي ﷺ قال :«والذي نفسي بيده إن السقط، ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته». [سنن ابن ماجه (1/ 513 ت عبد الباقي)]. وقد سبق لنا تخريجه في الديوان برقم: (613).
- أما تسميته : فإن ولد حيا فإنه يسمى ويعامل معاملة الكبير، أما إن ولد ميتا فقد منع من ذلك الحنفية، وقال مالك :«لا يصلى على الصبي ولا يرث ولا يورث، ولا يسمى ولا يغسل ولا يحنط حتى يستهل صارخا وهو بمنزلة من خرج ميتا». [المدونة (1/ 255)]. واستحبها الحنابلة والشافعية واستدلوا بحديث :«سموا أسقاطكم، فإنهم من أفراطكم». لكنه حديث مكذوب. ولهم قوله ﷺ :«إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم». [مسند أحمد (36/ 23 ط الرسالة)]. والحقيقة لا دليل في المسألة، ونرى جواز تسمية لمن شاء بعد نفخ الروح.
- أما الصلاة عليه، فإن استهل صارخا يصلى عليه ويغسل ويكفن ويدفن، هذا مجمع عليه.[الاستذكار (3/ 38)]. أما إن لم تعرف حياته، فقد قال الحكم، وحماد، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي: إذا لم يستهل لم يصل عليه. لقول النبي ﷺ :«الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل». [سنن الترمذي (2/ 339)].
وقال ابن سيرين، وسعيد بن الميسب، وهو مذهب أحمد، وإسحاق، أنه يصلى على السقط، لقوله ﷺ:«الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي خلفها وأمامها، وعن يمينها، وعن يسارها قريبا منها، والسقط يصلى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة». [سنن أبي داود (3/ 179 ط مع عون المعبود)]. والذي نراه، أنه إن كان السقط بعد أربعة أشهر يصلى عليه للحديث المتقدم، أما قبل أربعة أشهر فلا. [المغني لابن قدامة (3/ 460)].
- يغسل ويكفن ويدفن إن سقط وظهرت عليه علامات الحياة وهذا لا خلاف فيه. وإن خرج ميتا فالحنابلة قالوا يغسل ويكفن ويدفن إن سقد لأربعة أشهر، لأن الروح قد نفخت فيه. وذهب الجمهور للاستحباب. والظاهر أنه قبل الروح لا يعد بشرا، لكن يلف في خرقة ويطمر في أرض. وهذه المسألة كالتي قبلها من حيث الدليل.
- المعلوم أن عدة المرأة الحامل هي أن تضع حملها على الراجح لقول ربنا:﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4]. أما لو أسقطت فإن لم تكن خلقته ظاهرة فلا تنتهي العدة بذلك عند الجمهور، وعند المالكية تنتهي إن وضعت دما متجمعا. ففي الشرح الكبير:«وعلامة كونه حملا أنه إذا صب عليه الماء الحار لم يذب». [الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (2/ 474)].
- لا يعق عن السقط على الراجح وهو قول المالكية، وذلك لقوله ﷺ:«تذبح عنه يوم سابعه». [سنن أبي داود (3/ 66 ط مع عون المعبود)]. وقال قوم يعق عنه إن كان بعد نفخ الروح.
- السقط يرث إن ولد حيا، قال القرطبي:«وأجمع أهل العلم على أن الرجل إذا مات وزوجته حبلى أن الولد الذي في بطنها يرث ويورث إذا خرج حيا واستهل». [تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (5/ 65)].
- تعمد إسقاط الجنين حرام بعد نفخ الروح إجماعا، سواء أكان لفقر أو لزنا، قال ربنا:﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31]. والإملاق الفقر.
وأما الزنا فقد كان في عهده ﷺ من زنت وحملت فأجل عقوبتها حتى تضع ثم ترضع ثم تستودع. عن عبد الله بن أبي مليكة، أنه أخبره أن امرأة جاءت إلى رسول الله ﷺ فأخبرته أنها زنت وهي حامل. فقال لها رسول الله ﷺ :«اذهبي حتى تضعي. فلما وضعت جاءته. فقال لها رسول الله ﷺ: اذهبي حتى ترضعيه. فلما أرضعته جاءته. فقال: اذهبي فاستودعيه. قال: فاستودعته ثم جاءت فأمر بها فرجمت». [موطأ مالك - رواية يحيى (2/ 821 ت عبد الباقي)].
- إذا قرر الطبيب أن الأم إن أنجبت ماتت موتا محققا، فيجوز الحفاظ على حياة الأم مقابل حياة الجنين على الراجح، وذلك أن الجنين جزء منها فيجوز إزالة العضو للحفاظ على الجسد، والمصيبة بالأم أعظم من المصيبة بالابن الذي لم يولد ولم يتعلق به. (راجع أحكام الإجهاض في الفقه الإسلامي).
- لا يجوز إسقاط المشوه بعد نفخ الروح فيه لأنه إنسان، أما إن علم هذا قبل نفخ الروح وثبت تشوه الجنين بصورة دقيقة قاطعة لا تقبل الشك، من خلال لجنة طبية موثوقة وكان هذا التشوه غير قابل للعلاج ضمن الإمكانيات البشرية المتاحة لأهل الاختصاص، فالراجح هو إباحة إسقاطه. (راجع: أحكام الجنين في الفقه الإسلامي.عمر غانم).
- من أسقطت جنينها عمدا فعليها ثلاثة أمور :
1. التوبة لأنه قتلت نفسا حية.
2. الكفارة وهي : غرة [خمس من الإبل].عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :«اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر قتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى النبي ﷺ، فقضى أن دية جنينها غرة، عبد أو وليدة، وقضى دية المرأة على عاقلتها». [صحيح البخاري (9/ 12)]
3. الكفارة : وهي صيام شهرين متتابعين وجوبا عند الشافعية والحنابلة، وعند المالكية والحنفية استحبابا.(راجع: مشكلة الإجهاض.محمد علي البار).
- وتعتبر المرأة التي أسقطت نفساء إن تخلق المولود ويكون ذلك بعد 80 يوما على الراجح، كما بينا قبلا (هنا).
المجيب: أ.د قاسم اكحيلات.